اجتياح الأسرة والهجوم المعاكس
اجتياح
الأسرة والهجوم المعاكس
إن
السعي إلى الغير في الحضارة والثقافة وبناء المجتمع والأسرة لم ينتج إلا اختلالات
مروعة فبدل امتلاك العلم الذي هو تراث البشرية وتميز الشخصية الإسلامية ؛ رأينا
تفريطاً في إدراك السنن الربانية مع ذوبان خطير
للشخصية الإسلامية على صعيد المجتمع والأسرة ، وإذا كانت الأسرة المسلمة هي
الدرع الوافي لكل محاولات الطحن أو التغريب فمعنى ذلك أنها تحتاج إلى عناية شديدة
، وإلا فإن أي اختراق لها معناه إصابة
مركز قيادة العمليات البنائية الاجتماعية والنفسية بمقتل.
اليأس
ليس من شيمنا الإسلامية (إنه لا ييأس من
رَوح الله إلا القوم الكافرون)3 ولكني من أنصار ذكر العله للمريض كي يتنبه فلا
يستفحل مرضه فإخفاء الرأس في الرمال لاينفع ، وملف الأسرة المسلمة الذي تحدثنا عن
ضرورة الحديث فيه ملف مأساوي فيه اشراقات ايمانية مرفرفة وفيه زوايا جاهلية رطبة ؛
فيه الصفاء والتقوى وفيه الآلام والمصائب ؛ فيه الطهر والفضيلة والفطرة ، وفيه
انحرافات والتواءات ومسارب خفية تتستر بالإسلام وباطنها عيوب فاضحة.
ملف
الأسرة المسلمة مثل آلاف الخيوط الحريرية المتشابكة مع شوكٍ مدمٍ واخز ، والكلام
فيه أخطر من الكلام عن اليهود والأميركان والحكام الظلام ؛ لأنه يكشف الأمور
ويضعها تحت الشمس ، وعملت الأيام فينا حتى صرنا نعتبر أن المساس به مساسٌ بمقدس ،
ولا قدسية عندنا إلا لكلام الله والثابت الصحيح من كلام المعصوم صلى الله عليه
وآله وسلم.
ترى
كم من الوقت يلزم حتى يستقر في النسيج الإسلامي فقه قوله تعالى: (ذلك بأن الله لم
يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم)4 وإن
أعظم المصائب وأصغرها تبدأ من نقطة اختلال واحدة ، وإحراق ورقة واحدة ، أو غابة
إنما يبدأ بعود ثقاب.
الاجتياح
الخطير للعالم الاسلامي على كل صعيد حصل ليس بسبب انحراف الحكام فقط ، وليس بخطط
الأميركان واليهود فقط ، وليس بالمؤامرات الدولية فقط! الاجتياح بدأ وسيستمر ما
دامت مرجعية الأسرة المسلمة الايمانية التربوية والنفسية مفقودة!والهجوم الاسلامي
المعاكس في ظروف الضعف التي ترون إنما يبدأ من الأسرة ، وكما أن الحب من النبات
والنِطاف من المخلوقات تدخر في أعماقها كل خصائص ما انبثقت منه في تركيب مدهش معقد
بديع ؛ فكذلك الأسرة المسلمة تدخر في ايمانياتها المتراكمة وأعماقها التربوية
المدهشة كل الخصائص والتراكيب المحتملة لبنية إسلامية غنية مثمرة تؤتي أُكُلهاكل
حين بإذن ربها.
إن
الله تعالى يقول (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون)5ولنقل بصراحة أن أكثر المسلمين لايفقهون معنى الولاء أصلاً حتى
ينهضوا به ؛ ولاؤنا المشتت بين جاهلية وآبائية مذمومة أوانبهارات تغريبية ينعكس في
كل مرافق حياتنا! الأسرة المسلمة ما هي مقوماتها؟ ما هي أركانها؟ ما هي موا
صفاتها؟ البحث لا يحتاج إلى مجهر! ووجود بعض العينات الفردية الصالحة فقط يعني أن
هناك وباءً كاسحاً لم يبق إلا عينات سليمة قليلة تكاد توضع في المتحف لِنُدرتها!
فماذاعن باقي العينات؟
أتمنى
لوكنت استطيع أن أجري بحثاً ميدانياً عن مدى استخدام الكذب في حياتنا ، ولا أتحدث
عن دفع الضرر الشديد الذي يلجأ بعض الناس للكذب معه ؛ اتحدث عن الاستخدام العادي
من دون إلجاء ولا إكراه! كم مرة يستعمل الأب الكذب في البيت مع الزوجة ، ومع
الأولاد ؛ مع الجيران ومع الأصدقاء ؛ في المكتب وفي البيع والشراء؟
والنساء
كم مرة يكذبن في اليوم؟ حتى صار الكذب مما نتنفسه مع الهواء ، والأطفال المساكين
كم ألف مرة ومرة يسمعون الكذب حتى أصبح عندهم أمراً اعتيادياً ؛ هذا كله في
المسويات البسيطة ولسنا بصدد الكلام عن الكذب الكبير الذي يستخدم على نطاق الأمة
المسلمة كلها ، والذي يحبط في لحظات ويقتل في مواقف ملايين النفوس مثل القنبلة
الفراغية. نتحدث عما نصنعه بأيدينا فتصبح نفسيتنا نفسية كذابين ! وإن صمنا وصلينا
وحججنا وزكينا ، والبقايا اللئيمة من النفسيات
المنحرفة التي ماتزال تموج فينا هل نعرف نسبتها؟ رجل وزوجته حصل بينهما طلاق
فاشتعلت الأرض من حولهما بألف أكولة لحم ؛ تريد أن تعرف ما هو السبب ... آلاف
حوادث الطلاق تحصل ... لا أحد يبحث عن الأسباب لدرئها ... كثير من الناس للثرثرة
والفضول! و (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)6.
قوامة الرجل على المرأة ما هي
ضوابطها الشرعية؟ لا جواب واضح عند الكثيرين
؛ الضعف والمزاجية مزجت بين الأمور الشرعية والآبائية ؛ بين عادات اجتماعية
عرفيه ودين الله. كم هو عدد الأسر المسلمة التي يضع صاحبها لنفسه ولزوجه ولأولاده
خطة مهما كانت متواضعة وبسيطة من أجل رفع المردود ، وبناء التوازن والاستقرار ،
والطلاق هذا السهم المخيف هل يربى الرجل والمرأة على إدراك البعد الشرعي والحكمة
فيه أم أنه غالبا نزوة مرعبة وقرار طائش أرعن ؛ لا نظر فيه إلى مصلحة ولا توازن
ولا صواب ، وسفاسف الحياة التي يحشرها الناس في عقولهم حشراً فيعقدون حياتهم بها
لترى مئات الآلاف من الشباب والصبايا يقبضون
على الجمر والفساد محيط بهم! والزواج عسير ؛ لأن في الطريق مائة ألف عقبة كؤود
ومائة ألف مطلب صعب ، وقد قالوا قديماً [وآسف لهذا المثال القاسي] قالوا: أن
الحمار لايقع في الحفرة الواحدة مرتين! ومجتمعاتنا تقع في حفر عاداتها السخيفة ألف
مرة ومرة ثم لا يتوب أصحابها ولا هم يذكرون.
والمرأة
المسترجلة المتمردة لا تعرف لزوجها إلا قولة : [لا أعرف! دبر نفسك] عندما يكون في
ضيق أو مأزق لا تُعينه على ضراء ، ولا تشكر معه في سراء! كم عدد مثيلاتها يا ترى؟
.... والذين يضربون زوجاتهم ضرب الجمَّال لبعيره! أي بُعد شرعي يفقهونه وأي دين
يحملونه وأي أسرة يبنونها ، ونفسية المرأة الناشزة أو المرأة المضطهدة ما الذي
يرجى من ورائها؟ والحَكَم في الخلافات والمشاكل من هو؟ وهل له مرجعية فعلية أم
صورية وما وضع امرأة إزرقَّ جلدها من ضرب
زوجها ؛ فلماعرضت عليه التحاكم إلىعالم يحضُرُ زوجها دروسه حلف الزوج [التقي! طالب العلم] أن يطلقها إن هي
فعلت.
وهذه
الأسر المختلة الممسوخة االمغسولة والمبهورة بشيء اسمه الغرب وحياة الغرب وبطاقة
الإقامة في الغرب [البطاقة الخضراء] أي خير سيخرج من أبناءٍ زرعت النطاف في أرحام
أمهاتهم ليولدوا في الغربة للحصول على
الجنسية الغربية من دون حاجة ولاضرورة.
مساكين
هؤلاء الأطفال حكم عليهم أباؤهم بالغسيل والتغريب قبل أن يولدوا ، وأحد المضحكات
المبكيات : أشخاصٌ فوق السبعين من أعمارهم يذهبون كالمكوك كل عام من أجل الحصول
على البطاقة الخضراء ، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: (لا
يملأ عين آدم إلا التراب)7.
والنفسية
الأنانية التي تصادفنا على كل صعيد ، والانتهازية الطاغية التي تصدفنا في سائر
الدروب ؛ وأوقات فراغ أبنائنا وبناتنا وأروقة الجامعات التي تحفل بعروض أزياء لا
تجدها في مكان آخر على وجه الأرض والشباب الضائع المائع يسير طوال النهار بسيارة
فارهة ؛ والتي لايقدر بكل رجولته أن يُحصل ثمن صب مفتاح لها بجهده وعرقه ،
والأجيال المسكينة تنمو مثل نبات بري لا يشذبه أحد ، والأساتذة المنظرون الذي
ينطلق واحدهم من وضعه الشخصي فلا يعرف عن الحياة شيئاً؟ فيضيع الناس معه زيادة عن
ضياعهم!
كل
تلك السلبيات وغيرها إنما صنعت وبنيت في الأسرة لا خارجها ، وحديث الراعي منصوب
أبدأ لطالب الفقه والرشاد (ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)8. والحق المر: أن
قلة جداَ فقط تبحث عن الصواب وقلة جداَ تلتزم به ، وقلة جداً تتصدى للفساد المحيط وقلة جداَ تبني بشكل إيجابي.
أحد
الأشياء العجيبة : أمٌ تطلب رعاية ابنها المراهق وقد سلمته سيارة فارهة ومصروفاً
شهرياً لا يحلم به وزير وحوله ثلة من رفاق السوء ، وأبناء من تعرفون أشباه الرجال
ولا رجال ، وآخر رباه أبوه وأمه على كره بلده
وكره كل مافيه ، وأعميت عيناه عن كل إيجابيه ، وضخمت له كل سلبية حتى ما
عاد يطيق ذكر اسم بلده! ثم دفعوه غضاً طرياً إلى بلاد انحراف وضياع ؛ فآتت تربيته العفنة أُكُلها فصار واحداً
منهم! لا يطيق أن يتكلم معه بالعربية أحد! لأنه أخبرهم أنه من عرق آخر! أفتقول لي
بعد هذا أن اليهود يخططون؟ اليهود ينجحون عندما نسلمهم مفاتيح القلاع بأيدينا ؛
فيا مؤمن ويا مؤمنة لن يسقط في يد يهود قلب خلص لله ؛ كيف يضيع قلب مفتاحه الآذان
والصلاة ؛ كيف يشرد قلب غذاؤه الركوع والسجود ؛ كيف يتوه قلب قوته الصيام والقيام
؛ كيف يفل قلب عموده الإخلاص والتوحيد ؛ كيف ييأس قلب له نسب مع كل شهيد كل يكل
قلب هائم بأحمد الرسول ؛ كيف ينام قلب تكويه حراب الجنود ... مثخن بالجراح ؛ اجتمع
فيه أنين كل أهل الأرض يشكون الجور والظلم
... كيف يستسلم قلب معمور بنور الله؟
فالنور في
قلبي ... وقلبي في يدي ربي ... وربي حافظي ومعيني
يا
أبناءَ وبناتِ الإسلام : بذل الدموع لا يكفي... الدمعة غرور... لاتعيش العقائد من
دون غذاء ؛ غذاء العقائد وقوتها القلوب والأرواح ؛ من هام بأمر وعشقه لايتركه
أبداً الحماسة الطارئة قش تالف! والروح العاشقة يبقى حداؤها في الطريق.
تعليقات
إرسال تعليق